روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | الزاد الخلقي والإنتاج الوظيفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > الزاد الخلقي والإنتاج الوظيفي


  الزاد الخلقي والإنتاج الوظيفي
     عدد مرات المشاهدة: 2905        عدد مرات الإرسال: 0

[] التربية:

تأتي التربية لتوجِّه النشء التوجيه الصالح فتؤثِّر في أخلاقه تأثيراً بالغاً، كما قيل:

وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوَّده أبوه

وما نبغ الفتى بحجىً ولكن *** يعوِّده التديًّن أقربوه

وأرى أن هذه التربية هي الفاعل الأوّل في التأثير على أخلاق الصغير، ولكن لم أجعلها أوّل العوامل، لأنّها في مرحلةٍ معيَّنة من العمر بخلاف العوامل السابقة فهي تؤثّر في جميع مراحل عمر الإنسان.

والتربية الصالحة لها وسائل: منها الترغيب والترهيب، والنصيحة والتوجيه، والقدوة، والتربية بالمواقف الحياتيّة، والتربية بالشدَّة أحياناً، كما قيل:

فقسا ليزدجروا ومن يكُ راحماً *** فليقسُ أحياناً على من يرحمُ

ولأجل أهميّة التربية شدَّد الإسلام على إختيار الزوجة الصالحة التي تقوم برعاية الأطفال وتربيتهم التربيّة الإسلاميّة، قال صلّى الله عليه وسلّم: «تنكح المرأة لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وغني عن القول أنّ التربية إنّما تؤتي ثمارها إذا كانت غير معارضة بما هو أقوى منها من المؤثّرات الأخرى، كما قيل:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ

ولو ألفُ بانٍ خلفهم واحدٌ لكفى *** فكيف ببانٍ خلفه ألف هادمِ

والتربيّة الأسريّة في أغلب المجتمعات المعاصرة تتعرّض لمعوِّقات تؤخّر تأثيرها على الطفل والفتى، فالإنفتاح غير المنضبط على المجتمعات الأخرى، والإعلام الحرّ بغثِّه وسمينه، والتجارب السيّئة التي يسمعها الإبن من أقرانه، وضعف الرقابة الأسريّة نتيجة الإغراق في الأعمال التجاريّة من قبل الآباء، إضافة لعمل المرأة وتسليم الإبن للخدم بما فيهم من عادات وأخلاق غير إسلاميّة في كثير من الأحيان، كلّ هذه وغيرها معوِّقات للتربية الصالحة.

فلا بدّ أن تكون التربية متنوّعةً محبّبةً لصيقةً بالطفل حتى تحميه من المؤثّرات المعرقلة لبنائه السويّ، ولا بدّ أن تكون التربية الصالحة خياراً أوليّاً للأبوين، لأنّه واجب شرعي أوّلاً، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، وقال صلّى الله عليه وسلّم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ولأنّه في مصلحة الأبوين ثانياً، فالابن البارّ والبنت البارَّة سيعينان الأبوين على الدين والدنيا، ويحفظان حقّهما في الكبر وبعد الممات، ويتركان الذكر الحسن للأبوين، قال صلّى الله عليه وسلّم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له» رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

¤ استثناءات:

هناك العديد من العوامل التي تخرج الإنسان عن إختياره، فتضطره للقيام بأعمال، أو النطق بأقوال لا يرتضيها، ومن قواعد الدين الإسلاميّ أنّه لا يؤاخذ الإنسان إلا بما يصدر عن إختيار منه، لقوله سبحانه: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} } [البقرة:286].

والأخلاق كذلك قد تصدر من الإنسان من غير تعمُّدٍ لها، ويؤثر فيها بعض العوامل:

= العامل الأول/ الإكراه:

فالمكره الذي يرغم على فعل ما لا يريد أو قول ما لا يريد لا يؤاخذ شرعاً على فعله، لقوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] وهذه الآية نزلت في قصّة عمّار بن ياسر رضي الله عنها حين أكره على النطق بكلمة الكفر، فقالها غير راضٍ بها، فعذره الله تعالى وقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن عادوا فعُد» رواه الحاكم وصححه عن محمد بن عمار بن ياسر، لأنّه يعلم أنّ قلبه مطمئن بالإيمان.

وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 17] وقوله صلى الله عليه وسلم «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما إستكرهوا عليه» رواه الطبراني عن ثوبان وأبي الدرداء رضي الله عنهما، وروه ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ولكن لابد أن يكون الإكراه ملجئاً حتى ترتفع المؤاخذة، ومعنى الإلجاء الإضطرار بحيث يترتّب على عدم تنفيذ الإكراه ضرر بدنيّ أو نفسيّ أو إجتماعيّ.

أمّا إذا كان الأمر الموجَّه للإنسان غير ملجئ، وإنّما يترتّب عليه بعض الإحراج، فلا يعدّ إكراهاً شرعاً، وبالتالي فإنّه يؤاخذ على تنفيذ ما أمر به، لأنّه نفَّذ الأمر بإختياره وإرادته.

وإذا كان المرء غير مؤاخذ على الإكراه، فلا تعدّ تصرفاته التي تصدر منه حال الإكراه سويَّة، لأنّ الأخلاق محل للثواب والعقاب شرعاً، يرتفع بها الإنسان وينخفض عند الله تعالى، فإذا كان غير مؤاخذ في حال الإكراه فليست هي بالأخلاق المعتبرة.

والسبب الآخر: أنّ الأخلاق حتى تعدّ أخلاقاً للشخص فلا بدّ أن تكون صادرة عن اختياره، لأنّ الخلق صفة مستقرّة في النفس والتصرّفات التي تصدر حال الإكراه ليست من الصفات المستقرّة في النفس.

فالإكراه يؤثّر على السلوك الأخلاقيّ بحيث يصرفه عن الإختيار، فلا يمكن الحكم على الشخص من خلال تصرّفاته التي تصدر حال الإكراه.

= العامل الثاني/ الغضب:

فالغضب يخرج الإنسان عن تصرّفاته السويَّة، ويحرجه بما يخرج منه من كلمات وتصرّفات غير مدروسة، ولم تمرّ على العقل فترة كافية للتأمّل فيها.

وتصدر من الإنسان سلوكيّات مستغربة حال الغضب الشديد، إذا لم يضبطها فقد تؤدّي به إلى التفوُّه بكلمات خطيرة كالكفر والعياذ بالله، أو الإقدام على الإعتداء أو الجريمة، أو فقدان علاقات إجتماعية وثيقة، أو وظيفة، وغير ذلك من الأضرار الكثيرة.

لذا، فإنّ المسلم مسؤول أن يضبط أعصابه ويتحكّم فيها بحيث لا يقوده الغضب، بل هو يقود نفسه، قال صلّى الله عليه وسلّم «ليس الشديد بالصرعة، إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وملك زمام النفس أمام رغائبها ونزواتها من أشقّ الأمور، وفي حال الغضب أكثر مشقّة، فمن قدر على ضبط أعصابه، فهو القويّ حقاً، أمّا من سلَّم للغضب زمامه وتهوَّر فليس بشجاع وإن كان أقوى الناس جسديّاً.

ومن هنا فرَّق العلماء بين القوّة والشجاعة، فالقوّة لا تعني الشجاعة، والعكس، ولكنّ الشجاعة هي التي يمدح بها الإنسان لا القوّة فقط.

والله تعالى مدح الكاظمين الغيظ بقوله: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} [آل عمران:134]

وكظم الغيظ لا ينافيه التعبير عن الغضب بطريقة إيجابيّة، أي بمناقشة المشكلة، أو إبداء تضايقك ممّا حصل، أما كتم ما تكرهه في نفسك دائماً، فإنّه قد يسبب ارتفاع ضغط الدم والكآبة.

وهناك وسائل يستطيع الإنسان بواسطتها تخفيف الغضب، وقبل الوسائل أحبّ أن أقرّر حقيقتين مهمّتين:

*الأولى: أنّ مؤجِّج الغضب في نفس الإنسان هو الشيطان، لأنّه يحبّ أن يثير نفوس المؤمنين بعضهم على بعض، وهذا ما قاله نبيّ الله موسى عليه السلام حين غضب وثار وقتل الرجل، ثم قال: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} [القصص:15] فنسب الغضب وما تبعه إلى عدوِّ الله الشيطان، فدفع الغضب يكون بدفع سببه ومنشئه في النفس، لذا، فإنّ من إستولى الشيطان عليه وعلى تصرّفاته في حياته، أبعد الناس عن الحلم.

*الثانية: أنّ الإنتصار للنفس غريزة إنسانيّة، قد يربطها بعض الناس بالعزّة والقوّة والكرامة، وقد لا يكون هناك إرتباطٌ بينهما، بل يمكن أن يكون الإنتصار للنفس جزءاً من الكبر والغرور، فلا يظنّ ظانّ أنّ كلّ إمضاء للغضب عزّة، ولا كلّ كظم للغيظ مهانة، وسنأتي على تفصيل ذلك في صفة الحلم.

أمّا الوسائل فهي:

ـ الوسيلة الأولى: الوضوء، ذلك أنّ الوضوء عبادة والغضبان عندما يستشعر أنّه شرع في عبادة يذهب غضبه، إضافةً إلى أنّ الوضوء يسبقه التسمية، والتسمية ذكرٌ لله يبعد الشيطان، إضافةً إلى الوقت الذي يأخذه الإنسان في الوضوء ممّا يخفّف الغضب، إضافةً إلى الماء الذي يبرِّد حرارة الغضب المشتعلة في القلب والجسد، ولأجل هذا كلّه قال صلّى الله عليه وسلّم «إنّ الغضب من الشيطان، وإنّ الشيطان خلق من النار، وإنّما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» رواه أبو داود عن عطية السعدي رضي الله عنه بسند حسن.

ـ الوسيلة الثانية: ذكر الله، ذلك أنّ الذِّكر يبعد الشيطان، ويقرِّب الملائكة، ويطمئن القلب، مما يهيِّئ الجوّ النفسيّ لذهاب الغضب، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]

ورأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً غضباً قد احمرّ وجهه، فقال عليه الصلاة والسلام : «إنّي لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه الذي يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد» متفق عليه عن سليمان بن صرد رضي الله عنه.

ـ الوسيلة الثالثة: تغيير هيئة الإنسان من الوقوف إلى الجلوس، أو الإضطجاع، أو الخروج من المكان، أو صرف وجهه عمّن أغضبه، لأنّ الوقوف يشجِّع على الإنتقام بسرعة، بخلاف الجلوس، والمكث في المكان يذكِّر الإنسان بكل كلمة قيلت، بخلاف الخروج من المكان حيث يرى مشاهدات أخرى ينشغل بها، لذا، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع» رواه أحمد وأبوداود عن أبي ذر رضي الله عنه، وسند أحمد حسن.

ـ الوسيلة الرابعة: إشغال النفس بملهيات مختلفة، حيث تنسيه تلك الملهيات كثيراً مما جرى، وتعطيه فرصة للمراجعة.

ـ الوسيلة الخامسة: الاسترخاء والهدوء والتنفّس العميق، حيث تخفّ ضربات القلب، وتهدأ الأعصاب.

ـ الوسيلة السادسة: عدم مقابلة الهجوم بهجوم، والتفكير في الإنتصار، والردّ السريع وبقوّة على ما قيل، بل التركيز على التفكير في ما قيل وتوضيح اللبس فيه، لأنّ المقابل قد يكون فهم خطأً أو نقل إليه نقل غير صحيح، كما قيل:

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم

ـ الوسيلة السابعة: تأجيل البحث في الموضوع، وإعطاء الطرفين فرصة في التفكير، للوصول إلى حلّ غير ارتجاليّ.

ـ الوسيلة الثامنة: خفض الصوت، لأنّه ثبت أنّ الصوت له أثر كبير في رفع حدّة الغضب، وأنّ الإنسان يتجاوب مع المقابل في مستوى الصوت، فإذا خفضت صوتك فإنّ المقابل سيتجاوب بخفض صوته وتخفيف غضبه -كيف تتمتع بالثقة والقوة في التعامل مع الناس: ليس جبلين/ ترجمة مكتبة جرير/ ط الأولى 1999 م / فصل: كيفية السيطرة على غضب الآخرين 60.

ولا يحتجّ أحد بأنّ تصرفاته صدرت من غير قصد، وبالتالي لا يؤاخذ بما ينتج عنها، ذلك أنّه مطالب بضبط نفسه شرعاً، إلا إن كان عاجزاً، والله تعالى: {لا يكلّف نفساً إلا وسعها}، والخطأ معفوٌّ عنه، قال تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]

وإذا كانت الأخلاق يجب صدورها عن إختيار، ففي حال الغضب الشديد لا يتحقّق فيها ذلك في كثيرٍ من الأحيان، فالغضب يؤثّر على السلوك الأخلاقيّ بحيث لا يمكن إعتماد على تصرّفات الغضبان أخلاقيّاً دائماً.

= العامل الثالث/الرياء والمصلحة:

فالمرائي يتصنّع السلوك الذي يخدمه في مصلحته ولو كان غير خلق له، فيتصنّع الكرم أو التديُّن أو خدمة الآخرين لينال بذلك مصلحة، فلا تعدّ هذه التصرفات أخلاقاً للشخص، لأنّها ليست صادرة عن صفة نفسية مستقرة، فهي نوعٌ من الكذب والغشّ وخداع الآخرين، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:4-7] وقال صلى الله عليه وسلم «أدنى الرِّياء شرك» رواه الحاكم وصححه عن معاذ رضي الله عنه.

فلا يصحّ إعتبار التصرّفات المصلحيّة أخلاقاً، وإلا إختلط الصادق بالكاذب.

وقد يسأل سائل: كيف نستطيع تمييز الصادق من الكاذب، ونحن مأمورون أن نحكم على الشخص بظاهر تصرفاته، والله يتولى السرائر؟

والجواب: أنّ التمييز في مثل هذه الحالة من الصعوبة بمكان، ويمكن لبعض الناس إتقان التصنُّع بحيث لا يستطيع الشخص العادي تمييز صدقه من كذبه، كما أنّ رجال الجمارك والأمن يتفاوتون في إدراكهم للمزوِّرين والمهرِّبين، ولكن هناك ثلاث طرق تساعد على التعرّف على صدق التصرّف من عدمه، هي:

ـ الرجوع إلى أهل الدراية والخبرة الذين يستطيعون من خلال طول التجربة تمييز التصرّفات غير الصادقة.

ـ ملاحظة السلوك العام للشخص في مدّة معيَّنة، لأنّ المتصنِّع لا يستطيع التصنُّع أبد الدهر، ولا لمدّة طويلة أيضاً، فلا بدّ أن تظهر منه بعض السلوكيّات التي تدلّ على ريائه وتصنُّعه.

ـ إختبار المتصنّع والمرائي في بعض المواقف التي لا يصبر عليها إلا الصادقون، فالمرائي في العبادات لا يتحمّل تعب العبادات كثيراً، والمرائي في الكرم لا يتحمل الإنفاق من ماله الشخصي دائماً، والمرائي في الشجاعة لا يصبر عند الشدائد، فإذا وضع هؤلاء في المحكّ تبيّن الصادق من الكاذب.

= العامل الرابع/ الخوف:

فالخوف عامل قهري يسيطر على نفسيّة الإنسان فيلجئه إلى سلوكيات لا تدل على خلقه، فإنّ الأمن حاجة فطريّة لا يستغني عنها ابن آدم، وللحصول عليها يلجأ الإنسان إلى تصرّفات قد لا تكون من أخلاقه وعادته، وقد قال الله تعالى في شأن غزوة الأحزاب: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10] فالصحابة رضي الله عنهم وهم خير الناس خافوا وظنوا بالله الظنون ولم يؤاخذهم الله على ذلك، بل قال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا رجل يأتيني بخبر القوم أشترط له الجنة» مرتين وثلاثاً، فلم يتقدم أحد من شدّة الخوف! رواه مسلم عن حذيفة رضي الله عنه.

فهذا يدل على أنّ الخوف يصرف الإنسان عن طبيعته وخُلُقه.

كيف تحقّق الأخلاق الإسلاميّة المصلحة العامة:

لا شكّ أنّ الأخلاق الإسلاميّة إذا عمَّت في المجتمع، والتزم بها الأفراد، إطمأنّ بالهم وأمنوا على أنفسهم وأموالهم، وتعاونوا في ما بينهم، فشاعت بينهم المحبة والتناصر والوحدة.

وهذا ينعكس بالتالي على أدائهم لعباداتهم وأعمالهم الفردية والإجتماعية.

فخُلق الإحسان إلى الجار مثلاً إذا إنتشر في المجتمع أورث المودّة والتعاون بين المسلمين، كما أنّ السلف الصالح كانوا يؤثرون الجيران على أنفسهم بما يحبون، وذلك تحقيقاً لوصية الله ورسوله.

فقد جاء أن أحد الأنصار أهدي له رأس شاة فأهداه لجاره، وهكذا الجار فعل... حتى عاد للأول.

فالمصلحة العامة تتحقق بالنفع العام، والأخلاق أهم العوامل التي تحقق النفع العام، وفي الجانب الوظيفي تحقق الأخلاق النفع العام بزيادة الإخلاص والرقابة الذاتية -وهو العامل الأول في حسن أداء الموظفين- وتحقّق النفع العام بالعلاقات الحسنة بين الموظفين ومرؤوسيهم، وبين الموظفين أنفسهم، وبينهم والمراجعين، وتحقّق النفع العام بالوقاية من المشاكل الإداريّة المستعصية كالرشوة والابتزاز، والغش، وغير ذلك.

فخلق التواضع مثلاً إذا وجد في المسؤول والموظفين إحترم كل منهم أخاه، فقد جاء عن عثمان رضي الله عنه أنّه كان -وهو خليفة- يذيب الثلج ليغتسل به في الليل، ولا يوقظ غلمانه، وكان يتوسّد بردته في المسجد وينام.

وهذا أكسبه الإحترام بين الناس، قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: كنّا نقول على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، أي في الأفضليّة، رواه البخاري، وفي رواية أبي داود: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ أفضل أمة النبي بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان.

الكاتب: رحمة الغامدي.

المصدر: موقع رسالة المرأة.